محمد حنفي
في مدينة تعشق البحر وتتنفس الفن، خرجت سندس لتعيد إلى الإسكندرية بريقها الاستعراضي القديم. ليست مجرد راقصة على المسرح، بل هي ابنة المدينة التي عرفت كيف تمزج بين رطوبة البحر وحرارة الإيقاع، بين الرقة والجرأة، بين الكبرياء الأنثوي والحنين السكندري.
منذ ظهورها الأول على خشبة أحد الملاهي الراقية، أدرك الجمهور أن سندس ليست نسخة مكررة من أحد. حركاتها تنتمي إلى مدرسة جديدة، فيها من نعومة الرقص الشرقي ما يكفي لإسكات الصخب، وفيها من الحضور المسرحي ما يجعلها بطلة حتى في صمتها. لا تحتاج إلى مبالغة أو استعراض مفتعل، فكل التفاتة من يدها، وكل انحناءة من جسدها، تقول ما لا يُقال بالكلمات.
سندس تعرف أن الرقص ليس مجرد حركة، بل حكاية تُروى بالجسد. تضع في كل عرض شيئاً من ذاتها، شيئاً من إسكندرية التي لا تموت: البحر، والرمل، والضوء الرمادي الذي يختلط بالأحلام.
تبدو على المسرح كأنها تمشي على الموج، ثابتة رغم اضطراب الإيقاع، أنيقة رغم العاصفة.
ربما أكثر ما يميز سندس هو قدرتها على تحقيق توازنٍ نادر بين الاحتراف الفني والاحترام الذاتي. لا تسعى إلى الضجيج، ولا تلهث وراء الإثارة الرخيصة. بل تؤمن أن الرقص الاستعراضي فن له هيبة، وأن الأنثى الراقصة ليست سلعة بل مبدعة تعرف قيمتها.
في زمنٍ امتلأت فيه الساحة بالاستسهال والتقليد، تظل سندس واحدة من القليلات اللواتي يذكرننا بأن الرقص الشرقي يمكن أن يكون فناً راقياً حين يُقدَّم بشرفٍ وجمالٍ وثقة.
هي رسالة من الإسكندرية إلى القاهرة والعالم: أن الجمال لا يحتاج إلى صراخ، وأن الفن الحقيقي لا يموت ما دام هناك جسد يعرف كيف يحكي قصةً بصدق