التخطي إلى المحتوى
نورشان ساسي راقصة تونسيه… بين الحرية والتقيد الإجتماعى

محمد حنفي

إن وجود راقصة تُدعى نورشان ساسي في الساحة التونسية، حتى لو لم يكن التوثيق واسعًا، يثير العديد من المسائل التي تستحق التأمل: عن الرقص كفن، عن حرية التعبير الجسدي، عن المواجهة بين التحفظات الثقافية والانفتاح، وعن الدور الذي يمكن أن تلعبه المرأة في الفضاء الفني في مجتمع مثل تونس. فيما يلي بعض النقاط التي أرى أنها مهمة للنقاش:

 

1. الرقص كفن وتعبير وليس مجرد ترفيه

الراقصة ليست مجرد مؤدية لرقصات جميلة حركاتها، بل يمكن أن تكون وسيطًا للتعبير الجسدي، لغة لا تعتمد على الكلمات، تنقل مشاعر وأفكارًا قد تتجاوز ما يمكن قوله. إذا استخدمت نورشان ساسي جسدها للتعبير عن مواضيع مثل الحزن، أو الانتماء، أو الهوية، فهي تسهم في توسيع حدود الفن في المجتمع.


لكن في الغالب يتعرض الرقص—وخاصة الذي يُعتبر “غريبًا” أو “حديثًا”—للتقليل من أهميته وتحويله إلى “استعراض” أو “إغراء”. هذا يجعل أي راقصة تواجه تهمة أنها تستخدم جسدها بطريقة تجارية فقط، وليس فنية.

2. المرأة، الجسد، والحرية في مجتمع محافظ

في مجتمعات مثل تونس أو غيرها من الدول العربية، توجد حساسيات كبيرة حول الجسد الأنثوي، والخشية من أن يُنظر إلى المرأة التي ترقص باعتبارها “متحرّرة” أو “غير ملتزمة بالقيم”. راقصة مثل نورشان ساسي قد تُواجه نقدًا شديدًا من فئات محافظة تشكك في دوافعها أو تحملها مسؤولية “عدم الحشمة”.


لكن من جهة أخرى، المساومة على حرية التعبير والإبداع بسبب الخوف من النقد أو العار الاجتماعي يُعد قيدًا على الفن ذاته. إذا نُظر إلى الرقص كجزء من الفنون الجميلة، فالراقصة تستحق أن تُقيَّم على أساس الإبداع والجودة لا على أساس الأحكام المسبقة.


3. الحاجة إلى التوثيق والتعرّف

إذا كانت نورشان ساسي موجودة فعلاً، فمن المهم أن يكون هناك مقالات، مقابلات، فيديوهات، صور موثقة لها، حتى يُمكن تقييم عملها ومساهمتها بشكل موضوعي. اللامعرفة أو الغموض في اسمها أو مسيرتها يجعلها عرضة للشائعات أو التهويل أو التقليل.


الفنان يحق له أن يُعرَّف، أن يُناقَش في الصحافة، أن تُقام له لقاءات، وأن يُعطى مساحة للتعريف بنفسه، وليس أن يُحساب كـ “شائعة فنية”.


4. التوازن بين الفن والاحترام الثقافي

ليس المطلوب من الراقصة أن تكون عدوانية في التعبير أو تصطدم بالمجتمع كهدف بحد ذاته، لكن المطلوب أن تجد طريقًا فنيًا متوازنًا بين التجرؤ والاحترام. يمكن للفنانة أن تواجه الجدل، لكن أن تتجنب استقطاب النقد السلبي فقط من دون فائدة فنية أو رسالة وراء عملها.


إذا اختارت نورشان ساسي أن تعمل في الفصحى، أن تدمج عناصر تراثية تونسية في رقصها، أو أن تتحدث عن مواضيع اجتماعية في عرضها، فإن ذلك قد يعرّفها كراقصة “مبدعة” لا كمجرد “باهرة”.


5. الأثر المحتمل على الجيل الصاعد

وجود راقصة معروفة أو على الأقل مثيرة للجدل في المشهد قد يشجع فتيات وشبابًا يرغبون في التعبير الجسدي أو تجربة الرقص. قد يرون أن المجال ليس مقتصرًا على نجوم كبار أو أن الرقص مهنة ممكنة. لكن ذلك أيضًا يحمل مسؤولية كبيرًا على الراقصة التي تُعرض نفسها للجمهور: كيف تؤدي، ما هي الرسالة التي تنقلها، هل تحترم متابعيها وما تنتجه.


إذا كانت نورشان ساسي موجودة، فأرى أنها تمثّل حالة فنية تستحق الوقوف عليها، كمثال على التوتر بين الفن والتقاليد، بين الحرية والتقيد الاجتماعي. لا يمكن أن نحكم عليها من مجرد اسم أو إشاعة، بل ينبغي أن تُمنح الفرصة للتعريف بنفسها، لمناظرة نقديّة شفافة، ولعرض فنها في مساحة تُراعي الاحترام المتبادل بين الفنان والجمهور.